الاستثمار في تعليم اللاجئين سبيل للنمو والتنوع الاقتصادي

Author: H.E. Abdul Aziz Al Ghurair

Publication: CNN Business

نجد أنفسنا يومياً أمام إحصائيات مقلقة تعكس الظروف الصعبة الناجمة عن تفاقم أزمة اللاجئين العالمية بوتيرة متسارعة، والتي تؤثّر بشكل ملحوظ على منطقتنا.

فقد كشف التقرير السنوي للعمل الخيري الإسلامي الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مطلع هذا العام، عن الواقع المقلق الذي نشهده في الوقت الراهن، حيث أشار إلى أن هناك 100 مليون شخص اضطروا للفرار من منازلهم، نصفهم تقريباً من الدول العربية أو يقيمون حالياً فيها، وهذا يشكّل ضعف عدد اللاجئين مقارنة بالعقد الماضي.

ولسوء الحظ، نشهد ارتفاعاً في حجم وخطورة التحيّز والتمييز ضد المشرّدين بالتوازي مع تزايد أعدادهم واستمرار الأزمة.

ويتجاوز التحدي الذي نواجهه مهمة توفير الملاذ للمحتاجين، حيث أصبح من الضروري توفير بيئة عالمية تحتضن التنوع، لأنه عامل مهم للانتعاش والتنمية والنمو على الصعيد العالمي.

ولحل مشكلة اللاجئين، لا بُدّ من الاعتراف بالأهمية الاقتصادية لدمجهم، حيث يساعد احتضان اللاجئين وتمكينهم على إطلاق العنان لقدراتهم الكبيرة وإيجاد مستقبل يثمّن التنوع.

 

الاستثمار قصير الأمد لصناعة تأثير بعيد المدى

قد تبدو الآثار الاقتصادية السلبية الناتجة عن دعم اللاجئين كبيرة للوهلة الأولى، وتُثير في كثيرٍ من الأحيان المخاوف لدى الدول المضيفة حول الأعباء التي ستثقل كاهل اقتصاداتها نتيجة لاستقبالهم، ولكن يجب النظر إلى هذه التكاليف على أنها استثمارات قصيرة الأمد في التنمية الوطنية والإقليمية والعالمية، حيث تظهر أدلة متزايدة أن الدخل الناتج عند دخول اللاجئين إلى سوق العمل أكبر من التكلفة الأولية.

وتُعد المساهمات الكبيرة التي قدّمها اللاجئون السوريون للاقتصاد التركي في نهاية عام 2017 خير دليل على ذلك، حيث بلغت 4.3 مليار يورو، أي ما يمثّل 1.96 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للدولة.

وتظهر الفوائد الاقتصادية لإعادة توطين اللاجئين بشكلٍ أوضح في دول العالم التي تُتيح لهم العمل دون قيود، حيث تعود بالكثير من المكاسب على الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط الدخل.

ولكن تعاني مجتمعات اللاجئين من نقص الخدمات، وغالباً ما يتم تجاهل التعليم في الجهود المبذولة لتوفير الخدمات الأساسية، رغم أنه يشكّل الركيزة الأساسية للتنمية والارتقاء بجودة الحياة، فضلاً عن دوره في التغلب على التحديات التي تواجههم فيما يتعلق بالوصول الاقتصادي والإدماج الاجتماعي.

ويؤدي عدم توفير الفرص التعليمية للشباب النازحين إلى عواقب وخيمة، ويضعنا أمام خطر خسارة جيل كامل من ملايين الأشخاص. ولسوء الحظ، يدفع واقع تعليم اللاجئين في المنطقة على الشعور بالإحباط، حيث بلغت نسبة اللاجئين الذين يكملون التعليم الثانوي أقل من خمسة في المئة في الأردن ولبنان، بينما لا تتجاوز نسبتهم من اللاجئين السوريين اثنين في المئة.

 

الحاجة إلى الشركاء على مختلف الأصعدة

يعد تمكين اللاجئين من المشاركة في تنمية الاقتصاد، إحدى الطرق التي تساعد على تغيير نظرة المجتمع تجاههم ومساعدتهم على الاندماج فيه بشكلٍ أسرع، حيث يؤدي غياب هذا التمكين إلى تراجع فرص اندماجهم وإحرازهم للتقدم.

ويشكّل تمكين اللاجئين تحدياً كبيراً يتطلب التعاون من الجميع لإيجاد حلول طويلة الأمد للمشكلات التي تسببها الهجرة.

وندرك في صندوق عبدالعزيز الغرير لتعليم اللاجئين الحاجة إلى إرساء علاقات تعاون قوية واستراتيجية مع شركاء متعددين في مختلف القطاعات والمناطق.

لذلك نعمل مع أكثر من 20 شريكاً من جميع أنحاء العالم لضمان استكشاف الحلول المناسبة للاستفادة من مواهب اللاجئين وإبداعهم وقدراتهم، وتشمل شراكاتنا القطاع الخاص، حيث عقدنا العديد من الشراكات وعلاقات التعاون التي أسهمت في توفير فرص عمل عن بُعد للاجئين الشباب، حيث يخفّف هذا النهج من ضغوط المنافسة على فرص العمل المحلية، ويوفر بدائل قابلة للاستمرار لسبل العيش المستدامة.

 

النظر إلى الهجرة على أنها فرصة ثمينة

وصلت الهجرة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق على الصعيد العالمي، ولا يبدو أن هناك نهاية قريبة لها.

ولكن تسهم الإدارة الجيدة لهذه الأزمة في تحويلها إلى فرصة يمكنها تعزيز التنمية المستدامة، حيث يمكن للدول والقطاعات الخاصة تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية إذا تمكنت من إيجاد طرق مبتكرة لكيفية إدماج اللاجئين في المجتمع الرئيسي.

ويسهم توفُّر الحوكمة الفعّالة والسياسات الاستباقية في تحويل اللاجئين إلى رأسمال بشري مفيد على جميع الأصعدة. ويمكننا تدريجياً تقبّل الهجرة والنظر إليها كاستراتيجية للتكيّف مع التغيير، وذلك بتعزيز قدرة اللاجئين على المساهمة في الاقتصادات المحلية من خلال التطوير التعليمي والمهني.

ويساعد تغيير النظرة تجاه أزمة اللاجئين من كونها مصدراً للأعباء المادية والمشاكل الناجمة عن الإقصاء إلى فرصة للاستثمار والاندماج، على التخلص من التوتّرات وإطلاق العنان لكنز من الإمكانات المهدورة.

ويؤكد ذلك أن اللاجئين ليسوا مجرّد إحصائيات يتعيّن إدارتها، بل هم أفراد يتمتّعون بالمرونة والقدرة على المساهمة بشكل كبير في الدول المضيفة لهم عندما تتاح لهم الفرصة.

وتزامناً مع احتفالنا بيوم اللاجئ العالمي، يمكننا القول إن قوتنا الجماعية تكمن في تنوّعنا، حيث يمكن لكل شخص أن يسهم في دعم تطور مجتمعنا بغض النظر عن الظروف.

ويستند هذا القول بالدرجة الأولى إلى التفكير الاستراتيجي، إضافة إلى العواطف، ويمكننا من خلال تفعيل إمكانات اللاجئين تجاوز هذه الأزمة وتعزيز النمو الاقتصادي وبناء مجتمع أكثر ازدهاراً من حيث الثروة والتعاطف والتنوّع والتضامن العالمي.

CNN Business